سورة يوسف - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{قَالَتْ فذلكن الذى لُمْتُنَّنِى فِيهِ} تقول هو ذلك العبد الكنعناني الذي صورتن في أنفسكن ثم لمتنني فيه، تعني إنكن لم تصوّرنه حتى صورته وإلا لتعذرنني في الافتتان به {وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فاستعصم} والاستعصام بناء مبالغة يدل على الامتناع البليغ والتحفظ الشديد كأنه في عصمة وهو يجتهد في الاستزادة منها، وهذا بيان جلي على أن يوسف عليه السلام بريء مما فسر به أولئك الفريق الهم والبرهان. ثم قلن له: أطع مولاتك، فقالت راعيل: {وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ} الضمير راجع إلى {ما} هي موصولة، والمعنى ما آمره به. فحذف الجار كما في قوله (أمرتك الخير) أو {ما} مصدرية والضمير يرجع إلى يوسف أي ولئن لم يفعل أمري إياه أي موجب أمري ومقتضاه {لَيُسْجَنَنَّ} ليحبسن والألف في {وَلَيَكُونًا} بدل من النون التأكيد الخفيفة {مِنَ الصاغرين} مع السراق والسفاك والأباق كما سرق قلبي وأبق مني وسفك دمي بالفراق، فلا يهنأ ليوسف الطعام والشراب والنوم هنالك كما منعني هنا كل ذلك، ومن لم يرض بمثلي في الحرير على السرير أميراً حصل في الحصير على الحصير حسيراً. فلما سمع يوسف تهديدها.
{قَالَ رَبّ السجن أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ} أسند الدعوة إليهن لأنهن قلن له ما عليك لو أجبت مولاتك، أو افتتنت كل واحدة به فدعته إلى نفسها سراً فالتجأ إلى ربه، قال رب السجن أحب إلي من ركوب المعصية {وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنّى كَيْدَهُنَّ} فزع منه إلى الله في طلب العصمة {أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} أمل إليهن. والصبوة الميل إلى الهوى ومنه الصبا لأن النفوس تصبو إليها لطيب نسيمها وروحها {وَأَكُن مّنَ الجاهلين} من الذين لا يعملون بما يعلمون لأن من لا جدوى لعلمه فهو ومن لم يعلم سواء، أو من السفهاء، فلما كان في قوله {وإلا تصرف عني كيدهن} معنى طلب الصرف والدعاء قال.


{فاستجاب لَهُ رَبُّهُ} أي أجاب الله دعاءه {فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السميع} لدعوات الملتجئين إليه {العليم} بحاله وحالهن {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ} فاعله مضمر لدلالة ما يفسر عليه وهو {ليسجننه} والمعنى بدا لهم بداء أي ظهر لهم رأي، والضمير في {لهم} للعزيز وأهله {مِنْ بَعْدَمَا رَأَوُاْ الآيات} وهي الشواهد على براءته كقد القميص وقطع الأيدي وشهادة الصبي وغير ذلك {لَيَسْجُنُنَّهُ} لإبداء عذر الحال وإرخاء الستر على القيل والقال، وما كان ذلك إلا باستنزال المرأة لزوجها وكان مطواعاً لها وحميلاً ذلولاً، زمامه في يديها وقد طمعت أن يذلله السجن ويسخره لها، أو خافت عليه العيون وظنت فيه الظنون فألجأها الخجل من الناس، والوجل من اليأس، إلى أن رضيت بالحجاب، مكان خوف الذهاب، لتشتفي بخبره، إذا منعت من نظره {حتى حِينٍ} إلى زمان كأنها اقترحت أن يسجن زماناً حتى تبصر ما يكون منه.
{وَدَخَلَ مَعَهُ السجن فَتَيَانَ} عبدان للملك خبازه وشرابيه بتهمة السم، فأدخلا السجن ساعة أدخل يوسف لأن (مع) يدل على معنى الصحبة تقول: خرجت مع الأمير تريد مصاحباً له فيجب أن يكون دخولهما السجن مصاحبين له {قَالَ أَحَدُهُمَا} أي شرابيه {إِنّى أَرَانِى} أي في المنام وهي حكاية حال ماضية {أَعْصِرُ خَمْرًا} أي عنباً تسمية للعنب بما يؤول إليه أو الخمر بلغة عمان اسم للعنب {وَقَالَ الآخر} أي خبازه {إِنّى أَرَانِى أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِى خُبْزًا تَأْكُلُ الطير مِنْهُ نَبّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} بتأويل ما رأيناه {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} من الذين يحسنون عبارة الرؤيا أو من المحسنين إلى أهل السجن فإنك تداوي المريض وتعزي الحزين وتوسع على الفقير، فأحسن إلينا بتأويل ما رأينا. وقيل: إنهما تحالما له ليمتحناه فقال الشرابي: إني رأيت كأني في بستان فإذا بأصل حبلة عليها ثلاثة عناقيد من عنب فقطفتها وعصرتها في كأس الملك وسقيته، وقال الخباز: إني رأيت كأن فوق رأسي ثلاث سلال فيها أنواع الأطعمة، فإذا سباع الطير تنهش منها.


{قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} أي لبيان ماهيته وكيفيته لأن ذلك يشبه تفسير المشكل {قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا} ولما استعبراه ووصفاه بالإحسان افترض ذلك فوصل به وصف نفسه بما هو فوق علم العلماء وهو الإخبار بالغيب، وأنه ينبئهما بما يحمل إليهما من الطعام في السجن قبل أن يأتيهما ويصفه لهما ويقول: يأتيكما طعام من صفته كيت وكيت فيكون كذلك وجعل ذلك تخلصاً إلى أن يذكر لهما التوحيد ويعرض عليهما الإيمان ويزينه لهما ويقبح إليهما الشرك. وفيه أن العالم إذا جهلت منزلته في العلم فوصف نفسه بما هو بصدده، وغرضه أن يقتبس منه، لم يكن من باب التزكية {ذلكما} إشارة لهما إلى التأويل أي ذلك التأويل والإخبار بالمغيبات {مِمَّا عَلَّمَنِى رَبّى} وأوحى به إلي ولم أقله عن تكهن وتنجم {إِنّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بالله وَهُمْ بالأخرة هُمْ كافرون} يجوز أن يكون كلاماً مبتدأ وأن يكون تعليلاً لما قبله أي علمني ذلك وأوحى به إلي لأني رفضت ملة أولئك وهم أهل مصر ومن كان الفتيان على دينهم {واتبعت مِلَّةَ ءابَاءي إبراهيم وإسحاق وَيَعْقُوبَ} وهي الملة الحنيفية. وتكرير (هم) للتوكيد وذكر الآباء ليريهما أنه من بيت النبوة بعد أن عرفهما أنه نبي يوحى إليه بما ذكر من إخباره بالغيوب ليقوي رغبتهما في اتباع قوله، والمراد به ترك الابتداء لا أنه كان فيه ثم تركه {مَا كَانَ لَنَا} ما صح لنا معشر الأنبياء {أَن نُّشْرِكَ بالله مِن شَئ} أي شيء كان صنماً أو غيره. ثم قال: {ذلك} التوحيد {مِن فَضْلِ الله عَلَيْنَا وَعَلَى الناس ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ} فضل الله فيشركون به ولا ينتهون.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8